×
A
A
A
خيارات

إدراج مقال عن مأساة 20 يناير في صحيفة "الوسط" الكويتية

باكو، 21 يناير (أذرتاج).
كتب الأستاذ الكويتي عبدالله الراشد في صحيفة "الوسط" الكويتية مقالا عن مأساة يناير.
تنشر وكالة (أذرتاج) نص المقالة نقلا عن هذه الصحيفة :
"هناك الكثير من الكوارث في تاريخ كل وطن سجلت بحروف سوداء ولكن مذبحة باكو التي ارتكبتها القوات السوفيتية لها طبيعة خاصة وكارثيه من نوع غير عادي حيث قتل العديد من الأبرياء المدنين ووقعت هجمات إرهابية ومذابح وإبادة جماعية.
ولسوء الحظ فإن أذربيجان لديها الكثير من هذه الصفحات السوداء إلا أن هذه الأحداث بغض النظر عما حدث فيها لم تستطع أن تهز أو تدمر وحدة الشعب الأذربيجاني أو أن تقف عائقا أمام سعيه للاستقلال وتأسيس دولته على أرضه المستقلة.
ومن هذه الأيام ليلة يوم العشرين من يناير عام 1990 عندما سن ستة وعشرون ألف جندي من الجيش الأحمر السوفيتي معظم جنوده من الأرمن هجوما عسكريا على عاصمة أذربيجان مدينة باكو بلا سابق إنذار وبدون إعلان لحالة الطوارئ.
قبل دخول القوات إلى باكو لم يعتقد المواطنون أن أي ضرر سوف يلحق بهم فهم المدنيين المسالمين غير المسلحين، وبالتالي خرج الكثير من الشباب إلى الشوارع الرئيسية والميادين ليتظاهروا ضد اقتحام القوات السوفيتية عاصمة بلادهم وتعبيرا عن رفضهم لدخول القوات الغازية إلى مدينتهم المحبوبة الجميلة باكو.وكانت وسائل الإعلام تردد باستمرار وتكرر أنه لن تكون هناك حالة طوارئ.
إننا لا يمكننا أن نصدق ما ادعاه الاتحاد السوفيتي السابق، أنه كان لحماية الجنود والأرمن وعائلتهم ومنع انقلاب يقوم به المتطرفون القوميون في أذربيجان. وفي الحقيقة كان ذلك كذبا مفضوحا حيث كان قد تم التخطيط لهذه العملية منذ وقت طويل فقبل دخول الجيش الأحمر قامت المخابرات السوفيتية “الكي جي بي” بتفجير محطة توليد الكهرباء التابعة لتلفزيون أذربيجان ليتوقف البث التلفزيوني في الجمهورية وكان الهدف من تدميرها منع المعلومات عن إعلان حالة الطوارئ للشعب والتعتيم على الغزو السوفيتي الغاشم.
وبدأ الجيش عملياته العسكرية الدموية بإطلاق النار على المتظاهرين الذين كانوا يدافعون عن حقوقهم المشروعة وعن حق وطنهم في الحرية لم يكن هؤلاء الأبرياء يحملون سلاحا بل كان سلاحهم الوحيد هو حبهم لوطنهم وشعبهم بينما كان الجيش السوفيتي مدججا بالسلاح الثقيل والمدافع والدبابات وغيرها من أسلحة القتل والتدمير.
كانت تبدو الليلة غير كل الليالي فانتشر الجنود السوفيت يطلقون النار على المواطنين في مجزرة لن تنسى وكأنهم ظمأى للدماء التي لم يكن يرويها إلا رؤية المزيد من الدماء المتفجرة والجثث الملقاة على قارعة الطرقات.
لم تعرف الرحمة طريقها إلى قلوبهم فقد قتلوا كل من صادفهم رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا ورغم أن ذلك مخالف للقانون الدولي إلا أن السوفيت أطلقوا النار على سيارات الإسعاف المحملة بالمرضى لكي يقتلوا المصابين والمسعفين والأطباء الذين كانوا يرافقونهم كما تعرضت السيارات والحافلات وحتى المباني السكنية للنيران.
أتذكر رغم أنني كنت طفلا في الثانية من عمري أنهم قصفوا شقة أحد جيراننا في الطابق الثاني بنيران دبابة لكن لحسن الحظ لم تنفجر.
ومن الجرائم الأخرى التي اقترفها السوفيت في حق الشعب الأذربيجاني أن الرصاص كان مسمما لكي لا تكون هناك فرصة أمام الأطباء لإسعاف جرحاهم أو إنقاذهم.
إنني استطيع أن أكتب الكثير عن هذه الليلة وإلى أي مدى بدت العقلية المريضة والشريرة للجيش الأحمر الذي استعرض عضلاته ضد المواطنين العزل الذين كانوا يناضلون ضد المواطنين العزل الذين كانوا يناضلون من أجل سلامة ووحدة أراضي وطنهم أذربيجان.
مر الليل بطيئا يخيم عليه الموت والدمار والخراب والقتل والدمار حتى انبلج الصباح فكانت الحصيلة مقتل 131 من السكان الأبرياء المسالمين الذين جرفت جثثهم الدبابات في الشوارع وإصابة 700 من النساء والأطفال وتدمي وحرق 200 منزلا، واعتقال 800 شخص بطريقة غير قانونية.
لقد شارك أكثر من مليون من المواطنين في تشييع هؤلاء الضحايا إلى مثواهم الأخير إننا يمكن أن نغير أي شيء إلا التاريخ لهذا فإن الأجيال الجديدة قد تتغير لكن الذاكرة الجماعية ستبقى للأيد محفورة في قلوبهم.
أعتقد الجيش الأحمر أن الخوف هو الوسيلة المثلى للسيطرة على الناس وعقولهم وفرض أوامره عليهم لكي ينصاعوا ولكن الرفض الشعبي كان أقوى من الدبابات والمدافع. وحاول الجيش الأحمر السوفييتي أن يقوم بدعاية مضادة في هذه الليلة لتثبيت دعائم النظام الشيوعي الشمولي، ولكن أثبت الأذربيجانيون أنهم لا يخافون من الدبابات ولا الرصاص وأنهم على استعداد للتضحية بأنفسهم لأجل بلادهم ومستقبلها وحريتها.
وكانت أحداث هذه الليلة من بين العوامل التي أدت لسقوط الاتحاد السوفيت رسميا في أوائل 1991 وحصلت أذربيجان على استقلالها.
فقد صمت العالم على هذه المأساة ولم يتكلم عنها إلا أن الزعيم القومي حيدر علييف عقد في 21 يناير 1990 مؤتمرا صحفيا في موسكو ليدين بعبارات قاسية العدوان السوفيتي على الشعب الأذربيجاني مع العلم أنه تعرض نتيجة لذلك لضغوط كبيرة من موسكو.
ورغم هذه المجزرة إلا أن ” ميخائيل جورباتشوف” رئيس الاتحاد السوفيتي الذي لطخت يديه بالدماء حصل على جائزة نوبل للسلام وهو ما يظهر التناقض والتميز في المعايير الدولية، ومع ذلك خرجت أذربيجان أقوى مما كانت وصارت دماء الشهداء شعلة خالدة في تاريخ أذربيجان."

 

عشرون يناير 2014-01-21 18:45:00