×
A
A
A
خيارات

"أحمد عبده طرابيك: خوجالي ومقاييس العدالة في عالم اليوم"

باكو، 24 فبراير، اذرتاج

كتب الباحث المصري المعروف احمد عبده طرابيك مقالا عن مجزرة خوجالي في موقع "الوسيلة" الاخباري" . تعيد وكالة اذرتاج نشره:
"تسود العديد من مناطق العالم الحيوية الكثير من الاضطرابات والحروب وعدم الأستقرار، الأمر الذي ينعكس بشكل كبير التنمية في أغلب دول العالم، ومن ثم ينتشر الفقر وتتقشي الأمراض بوتيرة متسارعة، وترجع كل تلك المشكلات الأمنية والسياسية إلي غياب العدالة، وازدواجية المعايير التي تطبقها الدول الكبري في تعاملها مع قضايا الدول والشعوب.
تظل صفحات التاريخ، وذاكرة الأمم شاهدة دائما علي الأحداث الأليمة التي تتعرض لها الشعوب، ومهما حاول القوي المعتدية من ساندها إخفاء تلك الجرائم، وضع تلك الأحداث طي النسيان، تأبي ذاكرة التاريخ أن تغير أو تبدل تلك الصفحات المؤلمة، وخاصة إذا كانت تلك الأحداث ما زالت آثارها قائمة، ولم تتبدل الأوضاع وتقديم الجناة للعدالة، من أجل تهيئة البيئة المناسبة للأجيال الجديدة للتعايش مع بعضها البعض بعيداً عما اقترفه الآباء والأجداد.
اتصف الصراع بين أرمينيا وأذربيجان دائما بالوحشية والعدوانية، فمع بداية عام 1992 بلغ عدد المقاتلين الأرمن في إقليم "قره باغ الجبلية" ستة آلاف مقاتل ضمن قوات الدفاع الذاتي الخاضعة للجنة الدفاع، وزادت تلك القوات من ترسانتها ومعداتها العسكرية علي حساب القوات السوفيتية التي انسحبت لافساح المجال للأرمن الذين هاجموا المدن والقري، فاستولوا علي مدينة خوجالي ليلة 26 فبراير 1992 بعد ارتكاب جريمة دموية بحق السكان المدنيين، وشهدت المدينة أبشع جرائم التطهير العرقي ، الأمر الذي جعل الأرمن يعملون علي فتح ممر لعبور السكان والجرحي إلي خارج المدينة بهدف تطهيرها من سكانها الأصليين.
في مساء 25 وفجر 26 فبراير 1992، تحركت القوات المسلحة الأرمينية بدعم من الفوج 366 مشاه ميكانيكي تجاه مدينة خوجالي وتم محاصرتها، ومع الساعات الأولي من فجر يوم 26 فبراير تم الهجوم علي القرية وتدميرها علي نطاق واسع، وارتكبت القوات المسلحة الأرمينية جريمة شكلت أكبر مأساة في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية.
بلغ عدد القتلي 613 شخصاً من سكان القرية الأذربيجانيين، بينهم 106 إمرأة، 63 طفلاً، 70 شيخا مسناً، وتم القضاء علي ثماني أسر بشكل تام، وبالإضافة إلي ذلك تم اعتقال 1275 شخصاً من بينهم 150 شخصاً لا يُعرف مصيرهم حتي الآن. وفي أثناء ذلك الهجوم تُرك حوالي ثلاثة آلاف من سكان القرية البالغ تعدادها سبعة آلاف نسمة، لأربعة أشهر وهم محاصرون ، كان من بينهم عدد كبير من المصابين والمرضي والشيوخ والنساء والأطفال.
اختارت القوات الأرمينية خوجالي لتكون مسرحاً لتلك الجريمة باعتبارها تمثل أهمية استراتيجية في قره باغ. فمدينة خوجالي تقع وسط إقليم "قره باغ الجبلية" المحتل، ولها موقع استراتيجي هام في هذه المنطقة، وتعد خوجالي ثاني أكبر المناطق السكنية للأذربيجانيين بعد مدينة شوشا في قره باغ الجبلية، ويعيش بها سبعة آلاف نسمة، وهي علي بعد اثني عشرة كيلومترات من مدينة خانكندي عاصمة الإقليم، في الجنوب الشرقي من أذربيجان عند سلسلة جبال قره باغ، ومن ثم تتوسط الطرق البرية التي تربط بين أغدام وشوشا من ناحية وعسكران وخانكندي من ناحية أخري، كما يوجد بها المطار الوحيد بالإقليم، حيث اعترفت أرمينيا بعد ذلك أن الهدف الأساسي من هجومها علي خوجالي هو تدمير وإخلاء طريق عسكران- خانكندي، المار بها، والإستيلاء علي المطار الموجود في حوزة الأذربيجانيين.
لقد كان الهجوم علي مدينة خوجالي عملا مخططاً ومدبراً تدبيرا محكماً، حيث حاصر الأرمن المدينة منذ أكتوبر 1991 وذلك مع بداية إعلان استقلال جمهورية أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي، فبعد أن تم قطع كل وسائل المواصلات البرية بينها وبين أذربيجان، ولم يبقي سوي الطيران كوسيلة وحيدة لربط المدينة بالوطن الأم، لم يرق ذلك أيضاً للأرمن، فقاموا باسقاط مروحية فوق مدينة " شوشا " راح ضحيتها 41 شخصاً، وعلي إثر ذلك الحادث الأليم، أصبحت خوجالي معزولة تماماً عن باقي أجزاء الوطن في أذربيجان، وعمدت إلي إخلاء المدينة من سكانها، حتي كانت قمة المأساة والوحشية في مساء الخامس والعشرين من فبراير 1992.
رغم بشاعة تلك الجريمة وتوثيقها بالأرقام والاحصاءات الرسمية، ومعرفة المسئولين عنها، إلا أن أرمينيا تزعم بأنها كانت دفاعاً عن النفس، الأمر الذي يعطي مؤشراً علي عدم الاعتراف بهذه الجريمة، وعدم سعي المجتمع الدولي لتقديم الفاعلين إلي العدالة.
سوف تظل مذبحة خوجالي رمزاً للتطهير العرقي، فقد كان الأرمن يسعون إلى إخلاء المدينة وإقليم "قره باغ" بصفة عامة من السكان الأصليين الأذربيجانيين، في محاولة لتغيير الواقع الديموغرافي على الأرض، فقد كانت خوجالي بموقعها الجغرافي الهام وسط الإقليم تمثل عقبة أمام تحقيق الأرمن لأهدافهم، فمدينة خوجالي تقع في وسط إقليم "قره باغ الجبلية" الأذربيجانية، وهي ثاني أهم المدن بعد عاصمة الإقليم شوشا من حيث عدد السكان ، وتبعد عشرة كيلو مترات فقط عن مدينة خانكندي في الجنوب الشرقي من أذربيجان عند سلسلة جبال "قره باغ"، كما يوجد بها المطار الوحيد بمنطقة قره باغ الجبلية ، ولذلك كان صمود سكان المدينة يمثل تحديا للأرمن في إخلاء الإقليم من سكانه الأصليين، والسيطرة على باقي أراضي "قره باغ الجبلية".
لم تستطع وسائل الإعلام العالمية تجاهل ما حدث في خوجالي ليلة السادس والعشرين من فبراير 1992، ورغم أن وسائل الإعلام والاتصال في ذلك الوقت لم تكن علي نفس القدر من التقدم والتطور الذي نراه في هذا الوقت، إلا أن الصحف العالمية ألقت بعضاً من الأضواء علي هذه الجريمة البشعة، واعتبارها جريمة ليس في حق شعب أذربيجان، ولكنها في حق الإنسانية كلها، فقد زار العديد من الصحفيين والمراسلين الأجانب والمحليين مكان الحادث، وشاهدوا عن قرب ما حدث هناك، ومازالت شهاداتهم موثقة في أرشيف الصحف والملجات العالمية.
كما وصفت منظمة حقوق الإنسان الدولية هيومان رايتس ووتش جريمة خوجالي بأنها أكبر مذبحة في تلك الأزمة، ولكن حسب القانون الدولي ماذا يمكن توصيف مذبحة خوجالي؟، وللإجابة علي ذلك السؤال لابد من الوقوف علي تعريف منظمة الأمم المتحدة للإبادة الجماعية.
تعرف معاهدة لندن الموقعة في 8 أغسطس 1945 بشكل تفصيلي جرائم الحرب الخطرة، حيث ترتبط تلك الجرائم ارتباطاً وثيقاً بالجرائم ضد الإنسانية، وعدم المساس بكرامة المدنيين أو المحاربين المستسلمين، والنشاطات الإجرامية تجاه حياة الإنسان أو الممتلكات أو الكرامة الإنسانية، ولذلك فإن الإبادة الجماعية هي إحدي الجرائم الدولية التي تخرق القواعد القانونية للتعايش الدولي، وينطبق ذلك علي جرائم الحرب، وعلي الجرائم ضد الإنسانية وفقاً للقانون الدولي.
تحاول أرمينيا التمويه علي الجرائم التي ارتكبتها بحق السكان الأذربيجانيين وفي مقدمتها مذبحة خوجالي من خلال حملات الدعاية المضللة التي تروج لها، في محاولة للإفلات من العقاب عن الجرائم التي ارتكبتها أرمينيا بحق أذربيجان وشعبها، باعتبار أن تقديم مرتكبي الجرائم للعدالة هو أساس تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة وتحقيق المصالحة الشاملة بين أرمينيا وأذربيجان.
جمهورية أذربيجان هي إحدي الجمهوريات الإسلامية الست التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق، وواحدة من الدول الخمس المطلة علي سواحل بحر قزوين، وما إن تحررت من قبضة النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، إلا وتعرضت لعدوان غادر من قبل أرمينيا المجاورة التي احتلت إقليم قره باغ، الذي يمثل نحو خمس مساحة البلاد، وارتكبت أرمينيا أبشع الجرائم في حق السكان العزل أصحاب الأرض، وذلك عندما استخدمت أسلوب القتل والترويع والتهجير من الأرض باتباع سياسة الأرض المحروقة بهدف تغيير الخريطة الديموجرافية لإقليم قره باغ، بتهجير السكان وإحلال بدلا منهم سكان من أصول أرمينية، مثلما يفعل الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بتهجير السكان العرب أصحاب الأرض وتوطين مستوطنين يهودا بدلا منهم لخلق واقع جديد علي الأرض.
يمثل تحقيق العدالة في العالم أهم عوامل العيش في أمن واستقرار، ونشر ثقافة السلام والتعايش الآمن بين جميع شعوب العالم ن وهذا ما تحتاجه البشرية في هذه الوقت الذي يشهد الكثير من الاضطرابات والمجالاعات، فتسخير القدرات والامكانات الموجهة للقتال تكفي لحياة سكان العالم في رفاهية وازدهار."

Xocalı faciəsi 2021-02-24 21:44:00