×
A
A
A
خيارات

الكاتبة الصحفية السودانية نهى إبراهيم سالم تكتب: سامي يوسف: نجم هداية للأرواح التائهة

باكو، 13 فبراير (أذرتاج).
أدرجت عدد من وسائل الاعلام وكذلك الصحف السودانية منها "الوطن" و"الوتر السابع" ومجلة "المنار الثقافية الدولية" وموقع ترياق نيوز وموقع "من جزر القمر" وصحيفة "مفاكرة" في صفحاتها مقالا للكاتبة الصحفية السودانية المعروفة نهى إبراهيم سالم تحت عنوان "سامي يوسف: نجم هداية للأرواح التائهة". تعيد وكالة أذرتاج بث المقال:
" قبطان محترف أتقن فن الإبحار بنا في أغوار بحر نوراني عظيم ذاخر بنفائس تمنح القلب عمراً جديد ، فارداً أشرعته بعناية فائقة تعاند الريح وتستنطق الاتجاهات دون بوصلة ، يترجم ويعزف لغة النوارس وخطاطيف البحر ونسائمه وأصدافه وموجاته وحورياته برقة متناهية ، استطاع أن يُحيله بإيمانه وسمو غايته من ملح أُجاج إلى عذب فرات يروي القلوب الظامئة للمحبة والسلام ويغسل الواقع الموبوء من كل قبيح ..حتى وصل بنا لبر جمال روحي آمِن سكنت إليه أرواحنا واطمأنت .
إنه الفنان المتميز والشاب الخلوق، الموسيقي، مؤلف الاغاني، المنشد، المنتج والملحن، المسلم الأذربيجاني الأصل، بريطاني الجنسية "سامي يوسف" واسمه الحقيقي (سياميك) كما ذكر في أحد حواراته وقال بأن أصدقائه ومعلميه ينادونه بـ ( سام ) ثم أضحى (سامي ) وأضاف يوسف تيمناً وحباً لنبيّنا وسيدنا يوسف عليه السلام فصار " سامي يوسف " .
ولد في طهران (يوليو 1880) من أبوين أذريين، عاش جزء من طفولته في أذربيجان ثم انتقل إلى بريطانيا.
شكّلت الموسيقى وجدانه منذ الصغر لاسيما وأن والده عازف موسيقي وشاعر وملحن معاً مما جعلها أكثر رسوخاً في نفسه، فبدأ يعزف على مختلف الآلات الموسيقية حتى صار مع الأيام والتدريب والشغف المستمر ماهراً في العزف والتلحين والغناء بصوت لامثيل له، وبفضل مهاراته استطاع الالتحاق بالأكاديمية الملكية للموسيقى في لندن، بل وكان أصغر من حصل على شهادة الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة روهامبتون في العام 2009 تقديراً لإسهاماته الموسيقية .
شغفه بالموسيقى وقدرته على عبور دهاليزها وحل عقدها وترويض سلالمها وفق مبتغاه وحسه وأخيلته. جعلوه قادراً على إستنباط مواطن الجمال في ألوانها كنحلة تجمع الرحيق من أزهار الموسيقى الغربية المعاصرة والكلاسيكية، وأزهار الإيقاعات الفارسية والتركية والأذرية، و المقامات العربية من المحيط إلى الخليج ، وترانيم الشرق الأوسط والأدنى، ودوزنات شرق آسيا، و نغمات إفريقيا، وألحان الأمريكتين. فكانت الخلاصة عسل مصفى تمثل في براعته الغنائية بعدة لغات، إنجليزية، عربية، فارسية، أذرية، أردية وتركية، بالإضافة لشغفه بأعلام الفن الأصيل كفريد الأطرش وسيد النقشبندي وأم كلثوم وسيد درويش ومحمد عبدالوهاب وغيرهم .
واعتزاز سامي الكبير بديانته، وإيمانه جعله يوظف كل ذلك في تغيير نظرة الغرب للإسلام خاصة إبّان أحداث ال( 11من سبتمبر ) والتُهم التي أُكيلت عليه، فتهيأ للدفاع عنه من خلال نشره محبة الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وتعاليم الرسالة المحمدية السمحة في توحيد الأمم وتعايشها الإنساني وحثها على مكارم الأخلاق، موضحاً في كل خطوة و عبارة أن الإسلام دين حضارة تفوق كل الحضارات، فنجح حتى في تغيير نظرة المسلمين غير المنصفة للغرب، وكانت حفلاته التي يتجمع لها الألاف، وألبوماته إبتداءاً من ألبوم
اﻟﻤﻌﻠﻢ ‏( 2003 ‏) _ ﺃﻣﺘﻲ ‏( 2005 ‏)
ﺑﺪﻭﻧﻚ ‏( 2009 ‏)___ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮﻥ ‏( 2010 ‏)
ﺳﻼﻡ ‏( 2012 ‏) _ اﻟﺠﻮﻫﺮ ‏(2014 ‏)
ﺃﻏﺎﻧﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ‏(2015 ‏) __ برﻛﺔ ‏( 2016 ‏)
ﺳﺎﻣﻲ ‏(2018 ‏) ‏___ ﺍﻟﺒﻬﺠﺔ ‏( 2019 ‏)‏
وحتى آخر ألبوم، والتي تجاوزت ملايين النسخ حول العالم، وتصدرت العناوين الرئيسية في كل وسائل الإعلام، وإسلام الكثيرين إثر ذلك !!! كل هذا كان دليل قاطع على نجاحه، وساعده عليه إحترامه للشعوب والثقافات والديانات والقيم والأعراف، وسعيه الدؤوب لخلق تواصل روحي وفكري بينها، ورغم التباين المهول إستطاع أن يجعل كل تلك القلوب تنبض نبضاً موحَداً حين تستمع لروحه الصوفية التي تتجسد أنوارها في موسيقاه وأدائه ومؤلفاته وجميل إنتقائه للقصائد التي أنشدها وحسن سلوكه في البلاد التي زارها.
وبالطبع لن يفوتني إعتزازه بهويته الأذرية التي تجلت في كثير من أعماله، وحفلاته التي أقامها في أذربيجان، والمهرجانات التي شارك فيها وكان من أجملها (مهرجان نسيمي) للفنون والموسيقى والآداب والروحانيات الذي أقيم ضمن عام النسيمي في مدينة شماخي وباكو في 2019 م وقد تم إثره منح سامي يوسف الدبلوم الفخري للرئيس الأذربيجاني من النائبة الأولى للرئيس الأذربيجاني السيدة "مهربان علييف" وذلك لمشاركته الثرة والرائعة في حفل افتتاح الدورة الـ43 للجنة التراث العالمي لليونسكو في باكو.
كما ضم المهرجان العديد من الفعاليات الثقافية والفنية، وصادف الذكرى ال 650 لوفاة نسيمي _ وقد سمي بذلك لأنه كان تكريماً لأحد أجمل وأقوى وأعظم فلاسفة ومفكري وشعراء الصوفية في الشرق ومن أشد المدافعين عن أحد مذاهب التصوف ومؤسسيه (الحروفية) وهو مذهب يجمع التصوف بالفلسفة والدين ويرتقي من فناء الجسد إلى خلود الروح والفكر منادياً بتطهير الذات والنفس وتسامح الشعوب ووحدة الإنسانية وكينونتها _في جمال فلسفي رسمته قصائده، بل وظل ينشر رؤى هذا المذهب رغم الانتقادات مضحياً بحياته من أجله إنه الشاعر الصوفي "عماد الدين نسيمي" ويدعى بالنسيمي الشيرواني ولد بمدينة شاماخي وتم تعذيبه ببشاعة وإعدامه في حلب ومازال ضريحه موجود فيها حتى الآن، عكف على دراسة الفلسفة والرياضيات والفلك وعلوم الطبيعة والمنطق، كما أجاد الكتابة باللغة العربية والفارسية والأذربيجانية، والأخيرة كانت اللغة الأكثر حظاً بكتابة روائعه الأدبية فكتب بها أكثر من عشرة ألاف بيت في مواضيع مختلفة و حوى ديوانه بالفارسية حوالي خمسة ألاف بيت. أما شعره بالعربية فللأسف قد تعرض للإتلاف أو الضياع ولم يبقى منه سوى مقطوعات يسيرة .
في عام 1973 احتفل الأذربيجانيون واليونسكو ومجلس السلم العربي بمرور 600 عام على ميلاده وفي عام 1989 أهدت الحكومة الأذربيجانية مدينة حلب تمثالاً له ووضع في الجناح الإسلامي بحلب. ويكفينا من عظمته الآن مشاركة الفنان سامي يوسف وإحياءه لذكراه في هذا المهرجان الضخم والفخم معاً، وقد تنوعت فيه المشاركات لعدد كبير من المبدعين والموسيقيين من داخل وخارج البلاد، والذي تناول في جوهره جوهر فلسفة نسيمي وفكره، وقدم سامي تلك الفلسفة في إطار فني روحي متكامل أعاد الناس لجذورهم وأيقظ مشاعر إنتمائهم وأصالتهم من خلال إنشاده للتحفة الأدبية الصوفية أغنية ( نسيمي ) لشاعرها عماد الدين نسيمي .
ما ربط بين عماد الدين نسيمي وسامي يوسف هو عالم نقي شفاف جداً كقطرة ندى نرى من خلالها قداسة الأرواح التي هامت حباً للذات الإلٰهية وللحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وللرسل كافة، وللإنسانية جمعاء ولكل ما يكرمها ويعظمها، من خلال الكلمات المفعمة بذاك الحب وإحساسه الصادق والموسيقى التي تترجمه - تترجم ما نعجز عن وصفه وسرده - تترجم المكنون الخفي إلى ظاهر صفي - وقد أبهرنا بمقطوعته الموسيقية ( قصر شروانشاه ) التي ترجمت تفاصيل أعظم معلم للعمارة الاذرية وبيت أسرارها الذي بني في القرن الـ 15 وكان المسكن الاخير لحكام ولاية شيروان التي عمرها ألف عام، وتلك التفاصيل جسدت عدة فترات ثقافية مرت به، زرداشتية، ساسانية، فارسية، عثمانية، عربية، روسية، ومزخرف بأشكال نباتات العنب والتين ونقوش بالخط الكوفي، وبه مسجد خاص بالشاه ذو منارة طولها 22 متراً. كل هذا نحسه مكتوباً في كل جزء من هذه المقطوعة .
وأيضاً مقطوعة ( قوبوستان ) وهي منطقة أذرية أثرية اشتهرت بضمها لأكثر من 300 بركاناً طينياً. وأكثر من 6000 نقش صخري كلها لوحات تصور حياة ما قبل التاريخ منذ الإنسان الأول، وحياة من عاشوا قبل عشرين ألف سنة، وغزو الروم في أول قرن ميلادي، بالإضافة لوجود كهوف من صنع الإنسان. والمستمع لمقطوعة قوبوستان سيرى بعين قلبه نمط الحياة آنذاك من صيد وحصاد ورقص وطقوس جماعية وصور حيوانات وطعام ومحاربين وقوارب ونجوم وغيرها. هكذا تفرد سامي يوسف حقاً .
والجميل أن كل هذه الفضاءات والشهرة لم تستطع سرقة سامي من حبه للأعمال الخيرية وإهتمامه بالضعفاء، بل عززت فيه هذا الجانب المليء بالرحمة والعطف أكثر وأكثر فجاءت جهوده السامية في مبادراته للتعاون مع المنظمات الخيرية تحت رعاية الأمم المتحدة وصندوق إنقاذ الأطفال، فساعد ضحايا فيضانات باكستان بتبرعاته وبث التفاؤل بينهم برسائل الأمل والاغنيات الخيرية كأغنية ( أسمع ندائك) .
كما شارك في حفل بلندن لجمع الأموال من أجل التبرع لضحايا الصراع بمنطقة دارفور .
وناشد من خلال أغنيته ( وعود منسية ). دعم حملته التطوعية مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP ) لإطعام سكان القرن الإفريقي الذين إنقض الجفاف على أراضيهم ، وأيضاً لإطعام الناجين من إعصار هايان في الفلبين وغيرها كثيراً من البلدان، وكل ذلك تحت إسم حملة ( Live Feed ) لمكافحة الجوع لإيمانه أن الجوع من أقوى المدمرات للكيان البشري وطبيعة الإنسان، فدعى الناس للتبرع من خلال صفحة برنامج الأغذية العالمي عبر الإنترنت، فلاقت الحملة قبولاً وإقبالاً وأصبحت من أروع الحملات الخيرية في العالم .
وهكذا صار هذا الشاب مشرقاً في كل محفل بقلب ظل في حالة عروج مستمر نحو مشارف النور وسدرة روح صفية، كل البراحات لا تفي إحصاء ميزاته وسحره ولا أملك سوى أن أسري بقلم متواضع احكي عنه وألتقط من هنا وهناك من يحكي عنه، ولا أجمل وأرقى وأبلغ مما قاله عن نفسه يوماً: أسافر بروحي وأنطلق منها .
لأقول في الختام : سامي يوسف: نجم هداية للأرواح التائهة في صحاري الذات."

ثقافة 2020-02-13 19:49:00