×
A
A
A
خيارات

أحمد عبده طرابيك يكتب : ثمانون عاماً علي مولدها. عايدة إيمانقولييفا رائدة علم الدراسات الشرقية

باكو، 10 أكتوبر (أذرتاج).
يمر ثمانون عاما على مولد الدكتورة المستشرقة المعروفة عايدة إيمانقولييفا. تبث وكالة أذرتاج مقالا تلقت نسخة منه من مؤلفه أحمد عبده طرابيك.
"قدمت الدكتورة عايدة إيمانقولييفا إسهامات ھائلة في مجال علم الدراسات الشرقية، وساهمت بشكل كبير في انتشار ودراسة اللغة والثقافة العربیتین والأدب العربي، باعتبارها أكاديمية مرموقة لها تأثيرها العلمي الكبير في هذا المجال، ومثالاً مشرفاً لمدرسة علماء الدراسات الشرقية، الأمر الذي جعلها مشاركاً دائما في مختلف المحافل الدولية، بعد أن سخرت جل جهودها العلمية لموضوعات البحث في تاريخ الأدب العربي وعلوم اللغة العربية.
ولذلك تعتبر العالمة عايدة إيمانقولييفا، أحد أهم رواد علم الدراسات الشرقية في العالم، فقد أسهمت أبحاثها العلمية، وأعمالها الأدبية بشكل كبير في وضع حجر الأساس لدمج الفكر الفلسفي العربي بالعالمي، فقد ساهمت بشكل كبير في اطلاع العالم الغربي على اللغة العربية والأدب العربي الحديث والثقافة العربية، بموهبتها العلمية ونشاطها الاجتماعي الكبير، فمدت جسوراً من العلاقات والتواصل بين العالم العربي والعالم الغربي، فكشفت عن كنوز الأدب العربي، وأزالت الكثير من المجهول عن الفكر والثقافة العربية.
ولدت الدكتورة عايدة إيمانقولييفا في باكو في العاشر من أكتوبر 1939، لعائلة نبيلة لها مكانة رفيعة في تاريخ الحركة النسائية في أذربيجان، حيث كان والدها كاتب وصحفي بارز، وأحد أهم مؤسسي وسائل الإعلام في أذربيجان، الأمر الذي ساعدها علي الاتجاه إلي الانفتاح علي الثقافة والأدب العربي، فكانت أول امرأة أذربيجانية تعمل في مجال علم الدراسات الشرقية، فتفوقت في هذا المجال، حتي صارت أحد أهم رواد ذلك العلم، ومن ثم تبوأت مكانة مرموقة بين زملائها في هذا المجال، فشغلت منصب مدیر معھد الدراسات الشرقیة التابع لأكاديمية أذربيجان الوطنية للعلوم، كما أنھا كانت أول امرأة تحصل على درجة الدكتوراة في علم اللغة، وأول باحثة في أدب المھجر في أذربیجان، وكانت عضوا في جمعیة المستشرقین، وعضوا في مجلس التنسيق في بحث ودراسة الأدب الشرقي في الاتحاد السوفيتي.
ازدهر الأدب العربي في مطلع القرن العشرين بشكل واسع، وكان له مساهمات وأثر كبيرين في تقدم الآداب العالمية، حيث اهتم الأدب العربي بالجوانب الروحية والأخلاقية لدي الإنسان، فقد اهتم بالمثل العليا والقيم السامية والرقي بالنفس البشرية، لذلك انتشر الأدب العربي وزاد الاهتمام به من قبل العالم الغربي، وتطورت سبل تواصله مع الأدب العالمي، خاصة بعد ازدهار الأدب العربي في المهجر.
وقد اهتمت الدكتورة عايدة إيمانقولييفا بدراسة أدب المھجر الذي ازدهر علي نطاق واسع، وكان له مدرسة أدبية تعرف بهذا الاسم "أدب المهجر"، حيث اهتمت تلك المدرسة بإظهار الجوانب الرومانسية في الأدب العربي، والتي لم تكن معروفة من قبل، وكان ذلك دافعاً لأن تولي الأكاديمية إيمانقولييفا اهتماماً علي التطور الفلسفي للرومانسية العربية الجديدة، ومن ثم فهم ومعرفة الأدب العربي الجديد، والكشف عن البعد الإنساني في الأدب العربي الحدیث، وتوضيح الاتجاه الجديد للأدب العربي في الابتعاد عن القوالب التقليدية، والإبداع في ظهور الرومانسية الأدبية شعراً ونثراً.
كانت باكو عاصمة جمهورية أذربيجان، والتي كانت إحدي جمهوريات الاتحاد السوفيتي من أهم المدن التي اهتمت بعلم الدراسات الشرقية خلال العهد السوفيتي، وذلك باعتبارها عاصمة لجمهورية إسلامية، ولدي شعبها الكثير من العادات والتقاليد والقيم المشتركة مع الشعوب الشرقية من خلال ما يربط بينهم من روابط العقيدة الإسلامية، إلي جانب أنها كانت تعد من أهم المدن السوفيتية من النواحي الاقتصادية والثقافية والحضارية، ومن ثم فقد ازدهر علم الدراسات الشرقية في أذربيجان، وتأسس بها معهد الدراسات الشرقية ضمن أكاديمية أذربيجان الوطنية للعلوم، الذي كان ومازال يعد مدرسة يتخرج منها العلماء في مختلف فروع العلم والمعرفة، والذين أثروا المكتبة الغربية بعلوم الشرق.
يحسب للدكتورة إيمانقولييفا أنها كانت مستشرقة تخوض بالمنهج العلمي الرصين عن التأثیر المتبادل والروابط الأدبیة المتبادلة بین الثقافات الشرقیة العربية والغربیة، فقد قدمت بالبحث والتحليل البرهان علي تطور الأسلوب الإبداعي، وظھور اتجاھات أدبیة جدیدة، وكان لهذا أثر كبير في وجود قواسم مشتركة للبحث في التوجه الجديد للأدب العربي، حيث انعكس إبداع الأدباء العرب في المهجر وفي مقدمتهم ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران، الذین أسسوا " رابطة القلم " في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان لهم بصماتهم الواضحة علي نشأة الرومانسية في الأدب العربي الحديث.
اليوم العاشر من أكتوبر، يوافق ذكري مرور ثمانين عاماً علي مولد العالمة عايدة إيمانقولييفا، ورغم رحيلها عن عالمنا في سن مبكرة لم يتجاوز الثالثة والخمسين، وهي في قمة عطاءها العلمي والأكاديمي بعد حياة حافلة بما قدمته من مؤلفات ودراسات كان لها أثر كبير في نقل صورة حقيقية وواقعية عن العالم العربي إلي الغرب، إلا أنها ما تزال موجودة في عقول وقلوب زملاءها وطلابها وشعبها وكل من قرأ ونهل من فيض علمها الذي ما زال يفيض اشعاعاً، ويشكل جسراً للصداقة والتعان بين أذربيجان والعالم العربي. داعياً الله تعالي أن يجعل ما قدمته من علم في ميزان حسناتها، فقد انقطع عملها من الحياة الدنيا، لكن ما زال علمها ينتفع به من طلابها ودارسي وباحثي علوم الدراسات الشرقية، فلقد شيدت البروفيسورة عايدة إيمانقولييفا جسوراً قوية من علاقات الصداقة بين أذربيجان والعالم العربي، وطلابها الذين تأثروا بعلمها ومدرستها في علم الدراسات الشرقية، وساروا علي دربها يشكلون الآن امتداداً لذلك الجسر الذي شيدته، والذي كان من نتائجه ازدهار العلاقات بين أذربيجان والعالم العربي بشكل كبير لم يسبق له مثيل، حيث يعمل زملاء وطلاب إيمانقولييفا علي تطوير تلك العلاقات بتواصلهم مع مختلف المؤسسات في العالم العربي بما يحقق المصالح المشتركة وتحقيق مستقبل مزدهر مشرق.

علم وتعليم 2019-10-10 15:53:00