×
A
A
A
خيارات

محمد قجة رئيس تحرير مجلة "العاديات" السورية يكتب ذكرياته عن باكو

باكو، 12 يونيو (أذرتاج).
كتب العالم السوري الموسوعي رئيس تحرير مجلة "العاديات" السورية والأمين العام لـ"حلب عاصمة الثقافة الإسلامية" الدكتور محمد قجة في صفحته على فيسبوك ذكرياته الجميلة عن مدينة باكو عاصمة أذربيجان. يتشرف القسم العربي بإعادة نشرها في الموقع:
"كان ذلك أواخر العام 2009. ومدينة " باكو " في جمهورية أذربيجان تضع اللمسات الأخيرة لحفل الختام بصفتها عاصمة الثقافة الإسلامية لذلك العام إلى جانب القيروان في تونس وداكار في السنغال .
والمعروف أن عواصم الثقافة الإسلامية يتم اختيارها ثلاثاً كل سنة : الأولى عربية, والثانية آسيوية, والثالثة افريقية .
كنا وفداً سورياً كل أعضائه من مدينة حلب, لأن المؤتمر الذي دُعينا للمشاركة فيه كان " النسيمي " وهو الشاعر الأذربيجاني المتصوف المدفون في مدينة حلب في مزار أمام القلعة الشامخة .
وفي العام السابق 2008 كنا قد أقمنا مؤتمراً علمياً دولياً حول الشاعر النسيمي في مدينة حلب حضره وفد أذربيجاني, وكان الوفد شديد الاهتمام بالموضوع وبالمزار وبكافة التفاصيل, وحينما اصطحبناهم لزيارة ضريح النسيمي, وقف رئيس الوفد الدكتور " باكير نبييف " أمام الضريح وقبل رأسه وأطرافه وهو يبكي, وقرأ الفاتحة بصوت متهدج. وكان مؤتمر حلب في جلستين علميتين الأولى في مديرية الثقافة والثانية في كلية الآداب في جامعة حلب .
وقد درس الوفد الأذربيجاني, الذي كان يرافقه الأستاذ فكرت باباييف, معاون وزير الثقافة الأذربيجانية, سبل العناية بالضريح وإقامة معلَم ثقافي حوله. وتم الاتفاق على إقامة مؤتمر ثان ٍ في باكو .
في اليوم الثالث عشر من كانون الأول 2009 وصلنا باكو بالطائرة عن طريق استانبول. كان وفدنا يضم كلاً من :
د. محمود عكام مفتي حلب, ود. عصام قصبجي ( رحمه الله وقد غادرنا مبكراً عن عمر الشباب ). والشاعر الباحث محمّد كمال, ومعهم انا الفقير إليه تعالى .
كان في استقبالنا في المطار " فكرت باباييف " معاون الوزير, وهو الذي يتكلم العربية بطلاقة وباللهجة السورية, فقد سبق له أن عمل خبيراً سوفياتياً ومترجماً أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات, وبقي في سورية ثلاث سنوات, ويعرف مدنها جيداً .
كان السفير الأذربيجاني في سورية همزة الوصل وضابط الاتصال الفكري والتنظيمي, وهو كذلك يجيد العربية وسبق له أن عمل في أكثر من بلد عربي, واسمه عربي صرف " ماهر علي " ولكنه يضيف إليها اللازمة المعهودة في الروسية فيصير اسمه " ماهر علييف " .
وهذان الرجلان : ماهر وفكرت نموذجان رائعان للإنسان الطيب المخلص المنظم الذي يعرف ما يريد, ويتابع عمل ما يريد بصبر وثقة. لذا كانا موضع احترامنا الشديد وثقتنا المطلقة .
في الطريق من مطار باكو إلى فندق " Park In " كنا نشعر بالألفة في الشوارع ومع الوجوه التي نمر بها. قال لي الصديق المرحوم " عصام قصبجي " : ألا تذكرك هذه الوجوه بأبناء حلب, ما أشد الشبه. وحينما توقفت السيارة لدى الإشارة الحمراء, كان هناك شاب ممتلئ الجسم يعبر الشارع, فسألني الدكتور عصام : ألا يذكرك وجه هذا الشاب بأبناء الأسرة الفلانية في حلب , وذكر اسم الأسرة, وفعلاً كان الشبه عجيباً إلى درجة التطابق .

*   *   *

بعد الظهر كنا على موعد مع جولة في " باكو " القديمة. رافقنا مترجم هو الدكتور " رشاد باباييف " الأستاذ في معهد الاستشراق, وهو يتكلم العربية الفصحى بطلاقة وتمكّن .
دلفنا إلى المدينة القديمة داخل الأسوار التي تمت المحافظة عليها وعلى طراز العمارة فيها, أزقتها, جدرانها, بيوتها. كان " رشاد " يتلذذ بالحديث بالعربية الفصحى, وكان الأستاذ محمد كمال يستوقفه عند بعض الكلمات لتصحيح مفردة, أو مخارج حروف, أو حركة إعراب, ورشاد سعيد بذلك لأنه يعتبر أنه يتلقى درساً رفيعاً من أستاذ قدير .
صعدنا عبر الحارات والأزقة المبلطة بالحجر, وهي نظيفة جداً لن تجد فيها عقب سيكارة أو ورقة ملقاة على الرصيف .
وصلنا في أعلى نقطة إلى قصر الإمارة القديم. وهناك استقبلتنا السيدة سميرة, مديرة القصر, وهي تتحدث لغتها الأذرية التي هي فصيل من اللغة التركية, وكان رشاد يتولى الترجمة. ويعود القصر إلى القرن الثامن عشر, وكان لإقامة الحاكم, وقد تحول إلى متحف يقصده الزوار .
في إحدى زوايا الحارات القديمة كانت تنتصب شجرة عملاقة, قال لنا رشاد : إنها تدعى شجرة العشاق. لأنهم يلتقون في ظلالها الوارفة , وسألناه : كم مرة وقفت أنت تحت هذه الشجرة ؟؟

*  *  *

في مدينة باكو, كل شيء يذكرك بعماد الدين النسيمي, فالساحة الكبرى في المدينة تدعى " ميدان نسيمي " وخط
" المترو " تحت الأرض اسمه " مترو نسيمي ". والمدينة مقسمة إلى عدة بلديات, والبلدية الكبرى فيها تدعى " منطقة نسيمي " ورئيسها بمثابة محافظ ذي صلاحيات. وقد دعانا إلى مأدبة عشاء باذخة, وتبادلنا الكلمات الودية المعبّرة .
أما غداء اليوم الأول فكان في مطعم قديم, كان يشغل مكانه خان على طريق الحرير, وهو صورة دقيقة عن خانات حلب. وكان هناك عازف يدندن بألحان رقيقة شجية على آلته الشرقية التي تشبه العود .
في اليوم الثاني كانت دعوة العشاء لدى رئيس إدارة مسلمي القوقاز شيخ الإسلام " الله شكر باشا زاده " . وهو يجيد العربية كواحد من أبنائها بلحيته الكثيفة وعينيه النفاذتين, وابتسامته الوديعة الواثقة .

*   *   *

وقبل أن نغادر "باكو" عقدنا مؤتمرا صحفيا مشتركا مع وزير الثقافة الأذري . وكان جل الحديث حول المتصوف النسيمي وهو همزة الوصل بين حلب وباكو ".

علم وتعليم 2019-06-12 15:33:00