أحمد عبد طرابيك يكتب: يناير الأسود في ذاكرة تاريخ أذربيجان الحديث
باكو، 18 يناير (أذرتاج).
نشر موقع "الوسيلة" المصري مقال للكاتب الصحفي المصري أحمد عبده طرابيك عن مأساة 20 يناير . تعيد وكالة أذرتاج بثها:
"يعد شهر يناير رمزاً لصفحة كفاح مجيدة في تاريخ أذربيجان الحديث من أجل الحرية والاستقلال، ففي ذلك الشهر وفي عام 1989 وقبيل حصول البلاد علي استقلالها، شهدت عاصمة البلاد مذبحة مروعة، تعد من أكثر الجرائم دموية وبشاعة في العصر الحديث، ارتبطت بنضال الأذربيجانيين ومطالبتهم بالحرية والاستقلال عن الاتحاد السوفيتي الذي وصل إلي مرحلة متأخرة من التدهور في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
في العشرين من يناير قادت فرق القوات المسلحة للجيش السوفييتى معركة غاية في الهمجية والطغيان والبطش ضد الأعداد الغفيرة من شعب أذربيجان التي خرجت إلى شوارع وميادين العاصمة باكو احتجاجا على أعمال أرمينيا العدوانية، التي جهرت بمزاعمها في أحقيتها بأراضي دولة مجاورة لها حدودها التي اعترفت بها كافة باعتبارهما عضوين في الاتحاد السوفيتي، وقد أدت الحماية والمساندة من قبل حكومة الحكومة المركزية في موسكو إلى حدوث المأساة غير المسبوقة ضد شعب أذربيجان المسالم.
في تلك الأيام شديدة القسوة قدم شعب أذربيجان كل ما يملك. حياتهم وأموالهم وخيرة أبنائهم فداءً من أجل الدفاع عن وطنهم، من أجل الحرية والعزة والكرامة، فقد ارتفع الضحايا الأبرياء إلى مصاف الشهداء، واندحر المعتدين خاسئين تطاردهم الخيبة والعار التي سجلتهما مأساة 20 يناير التي تسببت في قتل الأبرياء وتدمير المدينة المسالمة، وانتصر الوطن الذي ارتوى بدماء الأبناء الأوفياء.
لقد كانت أوامر الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف باستخدام القوة ضد المدنيين الأبرياء محاولة يائسة لوقف انهيار النظام الشيوعي في أذربيجان، وفي كافة أنحاء جمهوريات الاتحاد السوفيتي المنهار، ولكن كان الشعب قد استيقظ وانتقض في وجه الكبت والاستبداد الشيوعي، وأراد أن يعيش حياة حرة كريمة، أو يموت ليعيش أبناءه حياة غير التي عاشها في ظل هذا الطغيان الذي هيمن على أفكار وعقيدة شعب أذربيجان قبل أن يهيمن على مقدراته وثرواته وخيراته.
دافع ميخائيل جورباتشوف الذي كرمه العالم الغربي في نفس العام 1990 ومنحه جائزة نوبل للسلام، تقديراً له على أعماله الإجرامية في حق شعب مسلم، دافع جورباتشوف عن قراراته العداونية الهمجية بحجة صد الخطر الوشيك المزعوم الذي تشكله الأصولية الإسلامية في أذربيجان، واستغل بعض المسئولين الرسميين الآخرين التوتر بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم قراباغ الجبلية الأذربيجانية باعتبارها حجة لاحتلال البلاد وخلط الأوراق.
لكن التناقض بين القيادات السوفيتية في ذلك الوقت فضح حقيقة النوايا الخبيثة للعدوان الغاشم، بعدما قال وزير الدفاع السوفيتي "ديمتري يازوف"، بأن الهدف العملية العسكرية في أذربيجان هي حماية الحكومة الشيوعية في باكو ، ومنع التيار المطالب بالحرية والاستقلال من الفوز في الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في شهر مارس عام 1990 .
وقد اعتبرت منظمة "هيومان رايتس واتش" في تقرير لها حول ذلك الحادث المأساوي، الذي اختارت له عنوان " يناير الأسود في أذربيجان " أنه يمكن اعتبار العقاب الذي ناله السكان المدنيون في باكو على يد القوات السوفيتية بمثابة إنـــذارا للحـــركات القومية الأخرى الطامحة للحرية والإستقلال، ليس فقط في أذربيجان وحسب، بل في كافة جمهوريات الاتحاد السوفيتي .
لــم يحقــق العنف والبطش للقيادة السوفيتية ما أرادته، ولكن ظلت ذكرى يناير الأسود منعطفاً هاماً ، ونقطة فارقة في تاريخ أذربيجان الحديث , فقد بدد الجيش الأحمر آخر خيوط الأمل لدى الآذريين في إمكانية إصلاح الاتحاد السوفيتي , وتسلح الشعب الآذري بإصرار لم يشهده من قبل على مواصلة مسيرة تحرره وإستقلاله.
رغم كل تلك الأعمال الوحشية، أصدر المجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان بالإجماع وفي جلسة تاريخية عقدت في 18 أكتوبر 1991 ، القانون الدستوري حول استقلال جمهورية أذربيجان , وأعقب هذا القرار استفتاء وطني في 29 ديسمبر 1991 , جاءت نتيجته موافقة شعب أذربيجان بالإجماع لتجديد وضع استقلال الدولة ، وإعادة الحرية المسلوبة طوال حقبة الحكم الشيوعية .
بعد مرور 29 عاماً على " يناير الأسود " ، يتخذ شعب أذربيجان من ذلك اليوم ذكرى للحرية والعزة والكرامة الإنسانية ، عازماً على مواصلة الكفاح من أجل تحرير كافة أراضيه المحتلة التي تحتلها أرمينيا ، وعودة أكثر من مليون مواطن مشرد يعيشون بعيدا عن ديارهم وأرضهم في ظروف معيشية قاسية تفرقت فيها الأسر والعائلات عن بعضها البعض . يسعى شعب أذربيجان بكل عزم على استعادة أرضه ، ومواصلة التقدم نحو مستقبل مزدهر لبلادهم وشعبهم .
تمر المحن والشدائد علي الشعوب الحرة فتزيدها قوة وصلابة لتكون حافزا علي مواصلة الكفاح والنضال ، وتأتي ذكرى " يناير الأسود " لتمنح بشعب أذربيجان القوة والعزيمة والسعي للعمل من أجل استكمال مشوار الكفاح وتحرير الأرض المحتلة ، فإذا كانت الدماء الطاهرة والأرواح الذكية غالية فتراب الوطن أغلى ."
وسائل الاعلام المصرية تنشر مقالا للسفير الاذربيجاني عن مأساة 20 يناير
خارجية تركيا تحيي ذكرى شهداء 20 يناير
د. سبحان علي اكبر طالبلي: دور مأساة "20 يناير" عام 1990 في تاريخ حرية و استقلال الشعب الأذربيجاني